للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الحق، حتى يقبلها قلبُه، وتُقْبَل عنه، كما يُقْبَلُ الدرهمُ الزائفُ بما فيه من الفضة، واللبنُ المَشُوبُ بما فيه من المَحْض، وإلا فلو خَلَصَ الباطلُ وتمحَّض لما خفي على من له أدنى مسكةٍ من عقل (١)، ومن هنا سُمِّيت الأباطيل "شبهات"؛ لمشابهتها الحقَّ ببعض الصفات (٢).

فالقول الحقُّ أن الله سبحانه خلق الخلقَ كلَّهم، أوَّلهم وآخرَهم، وعاليَهم وسافلَهم، وأنه أحاط علمًا بدِقِّهم وجِلِّهم، وخفيِّهم وجليِّهم، وأنهم متساوون في الافتقار إليه، ومتكافئون في الاضطرار إليه، وأن رحمتَه وقدرتَه ومشيئتَه وعلمَه محيطٌ بجميعهم، وأن الأسباب بيديه سبحانه وتعالى بمنزلة الآلات والأدوات في أفعال العباد من بعض الوجوه، ولله المثل الأعلى.

فالكاتبُ والصانعُ يفعله بقلمه وقَدُومِه وسيفه وسوطه وعصاه، فيقال: كتبَ بقلمه، وضربَ بعصاه، فلا يضافُ الفعلُ إلى الأداة، ولا يُجْعَلُ وجودُها كعدمها، لكن الله سبحانه لو شاء لفعل بلا آلة، لكن في الآلات أنواعٌ من الحكمة، كما أنه لو شاء لابتدع الإنسان العظيم في لمح البصر، وإن كان إنما يخلقه على وجه التدريج.

وعلى هذا السياق جاء القرآن، قال سبحانه: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: ٦٥]، {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [المؤمنون: ١٨]،


(١) انظر: "درء التعارض" (١/ ٢٠٩، ٢/ ١٠٤، ٧/ ١٧٠)، و"تنبيه الرجل العاقل" (٥، ٦)، و"الاستقامة" (١/ ٤١٦، ٤٥٥)، و"الانتصار لأهل الأثر" (٤٣، ٧٤)، و"مجموع الفتاوى" (٨/ ٣٧)، و"جامع الرسائل" (٢/ ٣١٧).
(٢) انظر: "منهاج السنة" (٥/ ١٦٧).