للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه أخبر أن من الخيلاء ما يحبُّها الله، وهي الخيلاء في السماحة والشجاعة، ولذلك قال لأبي دُجانة يومَ أُحد لما اختالَ بين الصفَّينِ، فقال: "إنها لمشيةٌ يُبغِضها الله إلا في هذا الموطن" (١). ولهذا جوزنا في أحد القولين ما رويناه عن عمر من لُبْسِ الحريرِ في الحرب (٢)، لأن الخيلاء التي فيه محبوبة في الحرب، كما دَلَّ عليه الحديثانِ. وذلك ــ والله أعلم ــ لأن الاختيال من التخيّل، والتخيل من باب التصور الذي قد يكون تصورًا للموجود، وقد يكون تصوُّرًا للمقصود، فإن كان مطابقًا للموجود ومحمودًا في القصد فهو تخيُّلٌ حقٌّ نافع، وإن كان مخالفًا للموجود ومذمومًا في القصد فهو الباطل الضارُّ. والشَجاعة والسماحة لابدَّ فيها من قوةٍ للنفس لا تتمُّ إلّا بتصُّورِ محبوبٍ يَحُضُّه على الشجاعة والسماحة، وإلّا ففي هذا بذلُ النفسِ وفي هذا بذلُ المالِ الذي هو مادة النفس، فإن لم تتصور النفسُ أمرًا محبوبًا يَعتاض به عما يَبذُله من النفس والمال لم يأتِ بالشجاعة والسماحة. فيُحِبُّ الله تخيُّلَ المقاصدِ الرفيعة والمطالبِ العالية التي تَحُضُّ على الشجاعة والسماحة، فإن الله يُحِبّ معاليَ الأخلاقِ ويكره سَفْسَافَها، ويُحبّ معالي الأمور (٣).


(١) أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (٢/ ٦٧). وانظر البداية والنهاية (٥/ ٣٥٥).
(٢) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (٣/ ٢٦٩).
(٣) وردَ فيه عدة أحاديث عن جابر وسهل بن سعد وحسين بن علي. أخرجها الطبراني. انظر مجمع الزوائد (٨/ ١٨٨).