للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر طائفة في الكلام والمقالات -مثل أبي بكر ابن فُورك وغيرِه- أنّ الذين ادَّعوا النبوةَ من الفُرس مثل زَردَشْت ومَزْدَك وبَهَافَرِيْد (١) كانوا ينتحلون ملةَ إبراهيمَ ويزعمون أَنهم يدعون إلى دينه.

قال ابن فُورك في مصنَّفٍ له لمَّا تكلَّم على إثباتِ النبوات والردِّ على من أنكرَها من البراهمةِ حكماءِ الهند، وذكرَ ما ذكرَه غيرُه من أهل الكلام والمقالات، قال: إنَّ البراهمة صنفان: صِنف أنكروا الرسُلَ أجمعين، وصِنفٌ أقرُّوا بنبواتِ بعضِهم، فمنهم من أقرّ بنبوةِ إبراهيم وجَحَدَ من كان بعده.

قال: فإن قال قائل: قد دَلَّلتَ على جواز بعثةِ الرسُل، فما الدليلُ على أن الأنبياءَ الذين بَعثَهم الله إلى خلقِه مَن ذكرتم دونَ غيرِهم؟

قيل له: الدليل على ذلك أنه قد نُقِلَ إلينا من الجهاتِ المختلفاتِ التي لا يجوز على ناقليها الكذبُ أنهم أتَوا بمعجزاتٍ تَخرجُ عن عادةِ الخلقِ، مثل: فلقِ البحر، وقلب العصا حَيَّةً، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وانشقاق القمر، ولم يُنقَل لغيرهم من المعجزات ممن ادَّعَى النبوةَ كما نُقِل لهم، فدلَّ ذلك على أنهم هم الأنبياء دونَ غيرِهم ممن ادعى النبوةَ ولم يكن لهم معجزة تدلُّ على صدقهم.

قال: وممّا يدلُّ على صِدْقِهم أنّا وجدنا كل واحدٍ منهم في زمانه قد مَنَعَ الناسَ عن الشهواتِ واتباع الهوى، وقَبَضَ على أيديهم، وحالَ بينهم وبين مرادِهم، وما سرت إليهَ أنفسهم، ثم مع ذلك كلَّفوهم


(١) إليه تُنسَب الفرقة البهافريدية من المجوس. انظر: "البدء والتاريخ" (٤/ ٢٦).