للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثلاثًا، وبأن امرأةَ رفاعة طلَّقها زوجُها ثلاثًا، وبان الملاعن طلق امرأته ثلاثًا ولم ينكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك (١).

وأجاب الأكثرون بأن حديث فاطمة فيه أنه طلقها ثلاثًا متفرقات، هكذا ثبت في الصحيح أن الثالثة كانت آخر ثلاثِ تطليقات، لم يطلق ثلاثًا لا هذا ولا هذا. وقول الصحابي "طلَّقَ ثلاثًا" يتناول ما إذا طلَّقها ثلاثًا متفرقات، بأن يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها. وهذا طلاق سنّي واقع باتفاق الأئمة، وهو المشهور على عهد رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في معنى الطلاق ثلاثًا. وأما جمعُ الثلاث بكلمةٍ فهذا كان منكرًا عندهم، إنما يقع قليلاً، فلا يجوز حملُ اللفظِ المطلقِ على القليل المنكر دون الكثير المحق، ولا يجوز أن يقال طلق ثلاثًا مجتمعات لا هذا ولا هذا، بل هذا قولٌ بلا دليل، بل بخلاف الدليل.

وأما الملاعن فإن طلاقه وَقَع بعد البينونة أو بعد وجوب الإبانة، التي تحرم بها المرأة أعظم ما تحرم بالطلقة الثالثة، فكذا مؤكدًا لموجب اللعان. والنزاعُ إنما هو في طلاق من يمكنه إمساكها، ولاسيما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فرَّق بينهما، فإن كان قبل الثلاث لم يقع بها ثلاث ولا غيرها، وإن كان بعدها فدلَّ على بقاء النكاح.

واستدلَّ الأكثرون بأنّ القرآن يدلُّ على أن الله لم يُبِح إلاّ الطلاق الرجعي وإلاّ الطلاق للعدَّة، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) إلى قوله (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (١) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٢)،


(١) سبق ذكر هذه الأحاديث وكلام المؤلف عليها بتفصيل.
(٢) سورة الطلاق: ١ - ٢.