للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أن يكون عمله حسنًا، ليس المراد بذلك فعل الإحسان التطوع، وهذا الإحسان في حق الله، وفي حقوق عباده، فأما في حق الله ففعل ما أمره به من غير أن يتعلق المأمور [به]، وأما في حق عباده ففعل ما أوجب لهم من الإحسان، وترك ما لا يجوز من الإساءة. وأصل ذلك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا ثنَّى الله ذكر هذين الأصلين في القرآن في مواضع كثيرة جداً، وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) الَاية (١). وإذا كان الإحسان إلى الخلق واجبًا، وإن كان قد يكون مستحبًّا أيضًا، فالإحسان إليهم جَلْبُ ما ينفعهم ودَفْعُ ما يضرهم.

والظلم ضد الإحسان الذي يدخل فيه العدل وغيره، فإن العادل محسن من جهة عدله، وأما حيث يكون العدل هو الواجب، فالعادل أي بكمال الإحسان كالعدل بين الناس في القَسْم والحكم، بخلاف عدل الإحسان في حق نفسه في استيفاء حقوقه من غير زيادة، فإن هذا محسن من جهة أنه لم يَعْتدِ ولم يظلم.

وقد قررنا في مواضع كثيرة أن الظلم حرام كله، لم يُبَحْ منه شيء، وأصله قصد الإضرار، فإن الظلم إضرار غير مستحق، لكن الإضرار المستحق جائز تارة، وواجب أخرى، وإنما أبيح إضرار الحيوان للحاجة، والحكم المقيد بالحاجة مقدَّرٌ بقدرها، فليس للعبد أن يكون مقصوده بالقصد الأول إضرار بني آدم، بل الضرار محرم بالكتاب والسنة، قال الله


(١) سورة النساء: ٣٦.