للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسألة الخامسة دار التكليف

فالدنيا دارُ تكليفٍ بلا خلافٍ، وكذلك البرزخُ وعَرصةُ القيامة، وإنما ينقطع التكليف بدخولِ دار الجزاء، وهي الجنة أو النار، كما صَرَّح بذلك مَن صَرَّح من أصحابنا وغيرِهم، مستدلِّين بامتحانِ منكرٍ ونكرٍ للناس في قبورِهم وفتنتهِم إيَّاهم؟ وبأنّ الناسَ يوم القيامة يُدعَون إلى السجود، فمنهم من يستطيع، ومنهم من لا يستطيع؟ وبأن من لم يُكلّف في الدنيا يُكلَّفُ في عرصاتِ القيامة.

وهذا ظاهر المناسبة، فإن دار الجزاء لا امتحانَ فيها، وأما الامتحان قبل دار الجزاء فممكن لا محذورَ فيه، والامتحان في البرزخ لمن كان مكلَّفًا في الدنيا، إلا النبيين، ففيهم قولان لأصحابنا وغيرهم.

وأما امتحانُ غيرِ المكلفينَ في الدنيا -كالصبيان والمجانين- ففيهم قولان لأصحابنا وغيرهم:

أحدهما: لا يُمتَحنون، وعلى هذا فلا يُلَقَّنون. وهذا قول القاضي وابن عقيل.

والثاني: يُمتَحنون في قبورِهم ويُلَقَّنون. وهو قول أكثرِهم، حكاه ابن عبدوس" عن الأصحاب، وذكره أبو حكيمِ وغيره، وهو أصحُّ، كما ثبتَ عن أبي هريرة، ورُوِي مرفوعًا أنه صلَّى على طفلٍ لم يَعملْ خطيئةً قَطُّ، فقال: "اللهمَّ قِهِ عذابَ القبر وفتنةَ القبر" (١).


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٤٩١) وأبو داود (٣٢٠٢) وابن ماجه (١٤٩٩) عن واثلة بن الأسقع.