للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (٤٦)} (١). فإذا طلعتْ انبسطَ شعاعُها على وجهِ الأرض، ونسخ الظلّ الذي يقع عليه، فنسخ الظلال الشرقية كلها، ولا يزال ينسخ الغربيَّةَ شيئًا بعد شيء حتى تستويَ الشمسُ، فيكون قد نسخ الظلال الشرقية والغربية جميعًا، وهذا غايةُ نسخِ الشمسِ الظلالَ. فإذا زالت انحطت وانخفضت، ففَاءتِ الأفْيَاءُ. والفيءُ اسمٌ للظلّ الذي بعد الزوال، والظل يعمُّ ما قبله وما بعده، لأنه يفيء الفيءُ ويعود، فيعودُ الفيء إلى ناحية المشرق، بعد أن كان قد نسخ عنها، ولا يزال الفيء يَمتدُّ ويَطُولُ كلما انخفضت الشمس إلى أن تغرب، فيعود الظل ممدودًا بأفولها، كما يكون ممدودًا قبل طلوعها، فكان أفولُها غايةَ بطلانِ أثرِها في ذلك الزوال، مبدأ ذلك بالأفول، كما نقصها الذي ابتدأ من الزوال، وكأنه كمالُ زوالِها. ولهذا فُسر دلوكُها بهذا وبهذا في قوله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (٢)، فطائفة من السلف قالوا: دلوكها غروبُها، والتحقيق أن الزوال أول دُلوكها، والغروب كمالُ دُلوكها، فمن حين الزوال إلى الغروب دالكة، كما هي زائلة بارحة، ولهذا سُميت "بَرَاح"، ويقال: دلكتْ بَرَاحِ. ولهذا قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، فالدلوك يتناول الظهر والعصر، وغسق الليل يتناول المغرب والعشاء، وصلاة العشي (٣) فيها مشترك عند الحاجة. وكذلك صلاة العشاء، فإن ذلك كلُّه دلوك، وهذا كله


(١) سورة الفرقان: ٤٥ - ٤٦.
(٢) سورة الإسراء: ٧٨. وانظر: "زاد المسير" (٥/ ٧٢) والقرطبي (١٠/ ٣٠٣).
(٣) في الهامش: "صلاة الظهر والعصر".