وفريقٌ فوقَ هؤلاء، آمنوا بالأثارة، ثم أُوتُوا من الهداية الخاصة ما عَلِمُوا به فسادَ القياسِ تفصيلاً، فزالتْ عنهم المعارضاتُ بالكلية، ومنهم من يرفع إلى هداية يدرك بها حقيقة بعض ما جاءت به الآثار، فيكون ذلك مُثبتا لفؤادِه.
ثم هذه الطرق قد تنفصل في المسائل، فكثير من أرباب القياس قد خلصَ إليه من الأثارة ما لا يمكن دفعُه، فكان حكمُه في ذلك حكم أرباب الأثارة في غيره، فربّما أخذَ يُؤيِّد بالقياس ما جاءت به الأثارة، وإن كان لولا مجيءُ الأثارة لم يَطمئن إلى موجبِ القياس.
وقومٌ منهم ضَعُفَ علمُهم أو إيمانُهم بالأثارة حتى نَأَوْا عن الهُدَى، ثمّ عَظُمَ قدرُ الأنبياء في قلوبهم بكمال التخيل في دعوة الخلق بضروب الاستعارات وأنواع الإشارات. ولا يَشُكُّ لبيبٌ أن الموغلين في القياس إذا طَرَقَ سَمْعَهم جمهورُ ما جاءت به الأثارة بقُوا متحيرين كما يُخبرون به عن نفوسهم، فإن القياس أيضًا يَقضِي باستحالةِ اجتماع هذه الأثارة وهذا القياس، فصار القياسُ يَقضِي بفساد القياس.
وأما جمهور أرباب الأثارة فسوطيهم (١) بالقياس وأهله يرد عليهم، ثم كثير ما يسمعونه من اعتراف أهل القياس المخالفين لهم بالحيرة والتردد، وما يسمعونه عنهم ومنهم من الخصام والتلدُّد، وما يقترن به من شهادة عموم الأمة التي لا تشهدُ إلاّ بحقّ، وما يُخبِر به أهل