للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما اتخاذ المآتم في المصائب واتخاذ أوقاتها مآتمَ فليس من دين الإسلام، وهو أمر لم يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا أحد من السابقين الأولين ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من عادة أهل البيت ولا غيرهم. وقد شَهِدَ مقتلَ عليٍّ أهلُ بيته، وشهدَ مقتلَ الحسين من شهدَه من أهل بيته، وقد مرَّتْ على ذلك سنون كثيرة وهم متمسكون بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يُحدِثون مأتمًا ولا نياحةً، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسولُه، أو يفعلون مالا بأسَ به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما كان من العين والقلب فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" (١)، وقال: "ليس منا من لَطَم الخدودَ وشَقَّ الجيوبَ ودَعا بدعوى الجاهلية" (٢)، يعني مثل قول المصاب: يا سَنَداه! يا ناصراه! يا عَضُداه! وقال: "إن النائحةَ إذا لم تَتُبْ قبلَ موتها فإنها تُلْبَسُ يومَ القيامة دِرعًا من جَرَبٍ وسِربالًا مَن قَطِرانٍ" (٣). وقال: "لعن الله النائحةَ والمستمعةَ إليها" (٤).

وقد قال في تنزيله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢٣٧، ٣٣٥) عن ابن عباس، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (١٢٩٤، ١٢٩٧، ١٢٩٨، ٣٥١٩) ومسلم (١٠٣) عن ابن مسعود.
(٣) أخرجه مسلم (٩٣٤) عن أبي مالك الأشعري.
(٤) أخرجه أحمد (٣/ ٦٥) وأبو داود (٣١٢٨) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٦٣) عن أبي سعيد الخدري. وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة، وقد خرَّجها الألباني في "رواء الغليل" (٣/ ٢٢٢ - ٢٢٣) وضعَّفها كلَّها وبيَّن وهم من عزاها لصحيح مسلم.