وقد يُبتلى ببعض ذلك حالًا بعض جهال المتصوفة والمتعبدة، فإنهم لما توجهوا بقلوبهم إلى الله وذكروه وأحبوه شهدت قلوبهم الوجود العام بالمخلوقات الصادر عن الحق الذي خلق السموات والأرض، فاعتقدوا أن هذا الحق المخلوق هو الحق الخالق، فأشبهوا من بعض الوجوه مَن رأى شعاعَ الشمس فظنّ أنها هي الشمس، أو رأى الظلَّ فظن أنه الشخص.
وأما صاحبه الصدر الرومي فيرى أن الله هو الوجود المطلق الساري في الكائنات، لا يفرق بين الوجود والماهية، ولا الفائض والمفيض عنه، لكن ليس هو عين كل موجود، فإن المطلق ليس هو المعيَّن. وهذا تعطيل محض، وهو حقيقة مذهب فرعون والقرامطة. وأما الأول ففيه قسط من ذلك.
وصاحبه التلمساني ونحوه لا يفرق بين مطلق ومعين، ولا بين وجود وماهية، بل عنده أن نفس الأكوان هي الله، وهي أجزاء منه وأبعاض له، بمنزلة أمواج البحر مع البحر، وأجزاء البيت من البيت.
فما البحر إلّا الموج لا شيء غيره ... وإن فرَّقتْه كثرةُ المتعددِ (١)
فهؤلاء في الكفر الصريح، وهم أهل الإلحاد والاتحاد العام، بخلاف من قال بالاتحاد الخاص المقيّد في نبي أو غير نبي، كالنصارى وغالية الرافضة وغالية جهال المتعبدة من الحلَّاجية واليونسية وبعض العدوية
(١) البيت في مجموع الفتاوى (٢/ ١٦٩) وعزاه إلى التلمساني ومن نحا نحوه.