للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا". وإنّه أوجبَ على نفسه نَصْرَ المؤمنين، كما قال تعالى: (وكان حقًا علينا نَصرُ اَلْمُؤمِنينَ (٤٧)) (١). فليس للمخلوق بنفسه على اللهِ حقٌّ، ولا يُقاسُ الخالقُ بالمخلوق فيما يفعلُه، كما لا يقاسُ بالمخلوقِ في صفاتِه وذاتِه، بل ليس كمثلِه شيء، لا في ذاتِه ولا في صفاتِه ولا في أفعالِه، ولكن هو كتبَ على نفسِه الرحمةَ، [وحرَّم على نفسه] الظلمَ كما تقدَّم.

وقد اتفق المسلمون على أنه أخبرَ بما أخبَر به من ثواب المؤمنين وعقوبة الكافرين، وأنه صادقٌ لا يُخلِفُ الميعاد، فاتفقوا على ثبوتِ الخبر، وإنما النزاعُ في كتابتِه على نفسِه وتحريمِه على نفسه، لكن النصوصَ دَلَّتْ على ذلك.

وكذلك حَلفُه "لَيفعلَنَّ" كقوله تعالى: (لأملأن جهنم منك وممن تَبِعَكَ منهم أجمعين (٨٥)) (٢)، وقوله: (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من اَلجِنَّةِ والناس أجمعين (١٣)) (٣). ومثلُ هذا القسم ليسَ خبرًا محضًا، بل فيه معنى الإرادة والعهد، كما في الوعد.

ومن قال بالقولِ الثاني يتأوَّلُ كتابتَه على نفسِه الرحمةَ وتحريمَه على نفسِه الظلمَ، بأن المرادَ إخبارُه بوقوع ذلك وعَدَمِ وقوع هذا. والظلم عندهم هو ما يَمتنع أن يكون مقدوَرًا، وما يمتنع أنَ يكون مقدورًا لا يَحْرُم، وقد علمَ الناسُ أنه لا يكون، فلا فائدةَ بالإخبارِ أنه لا يكون.


(١) سورة الروم: ٤٧.
(٢) سورة ص: ٨٥.
(٣) سورة السجدة: ١٣.