وأيضَا فإنه ذكر ذلك مقدّمةً لنهيِه عبادَه عن الظلمِ بقوله:"يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظَالموا".
فلو أرادَ به مالا يكون مقدورًا كان المناسبُ لهذا أن يحرم على عبادِه مالا يقدرون عليه.
وهذا يناسبُ قولَ من قال: الاستطاعةُ لا تكون إلاّ مع الفعل، فيكون قد حرَّمَ عليهم ما يفعلونه من ظلمِ بعضهم بعضًا، ولا حَرَّم عليهم الشركَ الذي هو ظلمٌ عظيم، ولا حرَّمَ عليهم ظلمَ أنفسِهم.
وإذا قيل: أراد بالظلم الذي حرَّمَه على نفسِه مالا يكونُ مقدورًا، وبالظلم الذي حَرَّمَه على عبادِه ما يَقدِرون عليه، لم يكن ذكر هذا مناسبًا لذكرِ هذا، وهو قد قال:"يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظَالَموا". الضمير [عائد] إلى الظلم، فلو كان الأول مالا يُقْدَر عليه، لقيل: لا معنى لتحريمه هذا على نفسِه.
والمناسب إذا لم يُحرِّم إلاّ ما يكون مقدورًا لهم، وإلاّ فالمعنى على قولِ هؤلاء: حرَّمتُ على نفسيْ إذْ أَجعلُ الشيءَ موجودًا معدومًا، وأَجعلُ الجسمَ متحركًا ساكنًا، وأجعلُ المحدَثَ قديمًا والقديمَ مُحدَثًا، ونحو ذلك من الأمور التي ليست شيئًا باتفاق العقلاء، ولا يَتصوَّرُ العقلُ وجودَها في الخارج، وحَرَّم عليهم ما يَقدِرون هم عليه، وهو إنما ذكر هذا ليُقِيمَ الحجةَ على خلقِه بقوله: يا عبادي إني حرَّمتُ الظلمَ على نَفْسِي، فأنتم أولى أن يكون الظلم محرَّمًا عليكم، لأنه سبحانَه على كلِّ شيء قدير، ورب كلِّ شيء وخالقُه، ولا يتصرَّفُ إلاّ في مُلكِه، لا [يتصرف] في ذلك غيرُه، وليس فوقَه آمر يأمره، فإذا كان مع كمالِ قدرته وعِزَّتِه ووحدانيّتِه قد حرَّمَ الظلمَ على نفسِه، فكيف بالمخلوقِ الذي فوقَه آمر