للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

راجعًا من زيارة الطور فقال: لو رأيتك قبل أن تزوره لم تزرْه، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ الأقصى، ومسجدي هذا" (١).

[وقد] قال من قال من هؤلاء كأبي الوفاء ابن عقيل وغيره: إن المسافر لمجرد الزيارة لبعض المشاهد لا يقصر الصلاة لأنه عاص بسفره، وإنما رخَّص في هذا السفر طائفة من المتأخرين، ولكن الزيارة المشروعة إذا اجتاز الرجل بالقبور أو خرج إلى ما يُجاوره من القبور كما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج إلى البقيع، وكما زار قبر أمه لما اجتاز بها في غزوة الفتح. وقد ثبت عنه في الصحيح (٢) أنه قال: "استأْذَنْتُ ربِّي أن أزور قبر أمِّي؛ فأذِنَ لي، واستأذنته في أن أستغفرَ لها؛ فلم يأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة".

وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهمِ: "السلامُ عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحِقُون، ويَرْحَمُ الله المُسْتَقْدِمينَ منا والمُستأخِرينَ، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرَهم ولا تفتنا بعدَهم" (٣).

وقد رُوِي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال (٤): "ما مِن رجلٍ يَمُرُّ بقبرِ الرجلِ


(١) أخرجه النسائي (٣/ ١١٤).
(٢) مسلم (٩٧٦) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه مسلم (٩٧٥) عن بريدة، و (٩٧٤) عن عائشة، ما عدا الجزء الأخير، فقد روي ضمن الدعاء في الصلاة على الجنازة.
(٤) أخرجه ابن عبد البر في "الاستذكار" (١/ ٢٣٤) عن ابن عباس، وصححه =