للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إذا جاء نصان بحكمين مختلفين في صورتين وثَمَ صُوَر مسكوت عنها فهلْ يُقَال: القياس هو مقتضى أحد النَصّينِ؟ فما سكتَ عنه نُلحِقُه به وإن لم نَعرِف المعنى الفارق بينه وبين الآخر.

فهذاْ هو الاستحسان الذي تنوزعَ فيه، فكثير من الفقهاء يقول به، كأصحاب أبي حنيفةَ وكثيرِ من أصحاب أحمدَ وغيرِهم. وهذا هو الذي ذكَره القاضي بقوله (١): "اعتراضُ النصِّ على قياس الأصول ". وهو في الحقيقة قول بتخصيص العلة كما تقدم.

ومن لم يُجوِّز تخصيصَها إلاّ بفارقي بين صورة التخصيص وغيرِها يقول: لابُد أن يُعلَم الجامعُ أو الفارقُ، فليس إلحاقُ المسكوتِ بأحد النصيْنِ بأولى من إلحاقِه بالآخر. وإذا عُلِم المعنى في أحد النصين ولم يُعلَم في الآخر، وجاز أن يكون المسكوت عنه في معنى هذا ومعنى هذا لم يُلْحَقْ بواحدِ منهما إلاّ بدليل. وإذا عُلِم المعنى في أحد النصينِ ووجودُه في المسكوت عنه، ولم يعلَم المعنى في الآخر فهذا أقوى من الذي قبله، فإنه هنا قد عُلِم مقتضى القياس الصحيح وشمولُه لصورةِ المَسْكُوت. وأما وجودُ الفارقِ فيه فمشكوك فيه.

وهذا نظيرُ أَخْذِ أحْمَدَ بالنصوص الواردة في سجود سهوِ (٢)،


(١) العدّة ٤/ ١٣٩٤.
(٢) وردت خمسة أحاديث هي العمدة في الباب، ثلاثة منها في السجود بعد السلام، أولها: حديث ذي اليدين الذي رواه أبو هريرة، وفيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ركعتين فسجد، أخرجه البخاري (١٢٢٧، ١٢٢٨) =