للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من] أن أحلفَ بغيرِه صادقًا" (١). وذلك لأن الحلفَ بغير الله شركٌ، والشركُ أعظمُ إثمًا من الكذب. وهذا يوافقُ أظهرَ قولَي العلماء أن النهيَ عن الحلف بالمخلوقات نهيُ تحريم لا نهيُ تنزيهٍ، وهذا قول أكثرِ العلماء، وهو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد.

وإذا كان الحلفُ بغير الله من باب الشرك، فمعلومٌ أنه لا يجوز أن يُشرَكَ به ولا يُعْدَلَ به ولا يُسَوَّى به الأنبياءُ وغيرُهم، قال تعالى: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)) (٢)، وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)) (٣). قال طائفة من السلف (٤): كان قوم يدعون الملائكة والأنبياء، فأنزلَ الله هذه الآية بيَّن فيها أن الملائكة والأنبياء قد يتقربون إلى الله ويرجونه ويخافونه، كما أن سائر العباد يتقربون إلى الله ويرجونه ويخافونه، فلا يجوز دعاءُ الملائكةِ والأنبياءِ. وقد قال رجلٌ للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما شاءَ الله وشئتَ، فقال: "أجَعَلْتَني لله نِدًّا؟ قُلْ: ما شاء الله وحدَه" (٥). وقال: "لا تقولوا ما شاء الله


(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنّف" (٨/ ٤٦٩) عن ابن مسعود.
(٢) سورة آل عمران: ٨٠.
(٣) سورة الإسراء: ٥٦ - ٥٧.
(٤) انظر صحيح البخاري (٤٧١٤، ٤٧١٥) وتفسير الطبري (١٥/ ٧٢ - ٧٣) وابن كثير (٥/ ٢١٠٣).
(٥) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٧٨٣) والنسائي في "عمل اليوم والليلة"=