للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فصل

فيما يحبّه الله ويرضاه من رِضا العبدِ، وما لا يحبّه من ذلك ويرضاه، فإن هذا الباب مما كثُر فيه اضطراب كثيرٍ من المتأخرين، فإنهم سمعوا لفظ الرضا بالقضاء وأن ذلك محمودٌ من العبد يُثَابُ عليه بل يؤمن به، وأنه من أعلى مقامات اليقين وأحوال الصديقين، وظنّوا أن المراد بذلك أن كلّ ما كان مخلوقًا للربّ فينبغي أن يُرضىَ ذلك المخلوقُ. ثم صاروا حِزبَيْن:

حِزبًا قالوا إذا كان القضاء والرضا متلازمين، فمعلومٌ إلا مأمورون ببغض ما نهى الله ورسولُه عنه وسخطه، فلا يكون بقضاءٍ وقدر.

وحزبًا قالوا: إذا كانا متلازمين، وقد دُعِينا إلى الرضا، فنحن نرضى بكل ما يقع من الكفر والفسوق والعصيان.

وكلٌّ من هذين الحزبين مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمَّة وأئمتها، فالحزب الأول علموا أن الله لا يرضى الكفر والفسوق والعصيان، قالوا: فلم يَخْلُق ذلك ولم يقدرْه ولم يَقتضِه، بل ذلك واقعٌ في الوجود بغير مشيئتِه ولا قدرتِه ولا خَلْقِه، ومنهم من قال: ولا عَلِمَه قبل أن يقع. وهؤلاء القدرية المكذِّبون بقدر الله من المعتزلة وغيرهم. ومن أعظم حُجَجهم على ذلك أن قالوا: الرضا