للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين خالفوا قياسَ أصولهم في الطلاق خالفوها لما بلغَهم من الآثار، فلما ثبتَ عندهم عن أئمة الصحابة أنهم ألزموا بالثلاث المجموعة قالوا: لا يُلزِمون بذلك إلاّ وذلك مقتضى الشرع. واعتقد طائفة أن لزومَ هذا إجماعٌ، لكونهم لم يعلموا فيه خلافًا، لاسيما وصار القول بذلك معروفًا عن الشيعة الذين لم ينفردوا عن أهل السنة بحق.

قال المستدلُّون لهم: أما الشيعة وطائفة من أهل الكلام فيقولون: جامع الثلاث لا يقع به شيء. وهذا القولُ لم يُعرَف عن أحدٍ من السلف، بل قد تقدم الإجماع على نقضه، وإنما الكلام هل يلزمه واحدة أو ثلاث، والنزاع بين السلف في ذلك ثابت لا يمكن دفعُه.

وليس مع من ألزم بالثلاث وجعل ذلك شرعًا لازمًا للأمة حجةٌ يجبُ اتباعُها، لا من كتابٍ ولا من سنة ولا من إجماع، وإن كان قد احتجَّ بعضُهم بالكتاب، وبعضُهم بالسنة، وبعضهم بالإجماع، وبعضهم بالقياس، وقد يحتج بعضهم بحجتين أو أكثر. لكن المنازع تبيَّنَ له أن هذه كلها حجج ضعيفة، وإن كان الكتاب والسنة والاعتبار إنما يدل على عدم اللزوم. وتبيَّن أنه لا إجماعَ في المسألة، بل الآثار الثابتة عمن ألزم بالثلاث مجموعة من الصحابة تدلُّ على أنهم لم يكونوا يجعلون ذلك مما شرعه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته شرعًا لازمًا، كما شرع تحريم المرأة بعد الطلقةِ الثالثة، بل كانوا مجتهدين في العقوبة بإلزامِ ذلك إذا كَثُر ولم تَنتهِ الناسُ عنه، وقد ذكرت الألفاظ المنقولة عن الصحابة في غير هذا الموضع. والعقوبة إنما تكون لمن علم التحريم وأقدمَ عليه، وأما من لم يعلم التحريم فلا تجوز عقوبتُه.

وعامةُ الآثار المنقولة عن الصحابة تدلُّ على أنهم ألزموا بالثلاث لمن عصى الله بإيقاعِها جملةً، فأما من كان متقيًا لله فإن الله يقول: