للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، وكانوا يَدْعُون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك، يَدْعُون لأحيائِهم وأمواتِهم في صلاتِهم على الجنائز وعند زيارةِ قبورِهم وغيرِ ذلك. ورُوِيَ عن طائفةٍ من السلف أن عند كل خَتْمَةٍ دعوة مجابة، فإذا دعا الرجلُ عقيبَ الختمةِ لنفسه ولوالديه ومشايخِه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان هذا من الجنس المشروع، وكذلك دعاؤُه لهم في قيام الليل وغير ذلك من مواطن الإجابة، وقد صحَّ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمرَ بالصدقة عن الميت، وأنه أمر بأن يُصامَ عنه الصوم الذي نذره (١)، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنةُ في الصوم عنهم ونحو ذلك.

وبهذا وغيرِه احتجَّ من قال من العلماء: إنه يجوزُ إهداءُ ثوابِ العباداتِ البدنية إلى موتى المسلمين، كما هو مذهبُ أحمد وأبي حنيفة وطائفةٍ من أصحاب مالك والشافعي، فإذا أُهدِيَ لميّتٍ ثوابُ صيام أو صلاةٍ أو قراءة جازَ ذلك، و [قال] أكثر أصحاب مالك والشافعي: إنما يُشْرَع ذلك في العبادات المالية كالصدقة والعتق ونحوِ ذلك دون العبادات البدنية، بناء على أن هذه تَقْبَل النيابةَ ويجوز التوكيلُ فيها بخلاف تلك، والأولون يقولون: هذا ثوابٌ ليس من باب النيابة، كما أن الأجير الخاص ليس له أن يَستنيبَ عنه، وله أن يُعطِيَ أجرتَه لمن شاء. وأصحابُ أبي حنيفة من أبعدِ الناسِ عن الاستنابةِ في الصيام ونحوه، وجوَّزوا مع هذا إهداءَ الثواب، والنيابةُ إنما تجوز في مواضعَ مخصوصةٍ بخلاف الإهداء.


(١) سبق ذكر الأحاديث الواردة في الباب فيما مضى.