للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سهل بن حُنَيف - وهو من كبار المؤمنين وشهدَ مع علي صِفّينَ -: "أيها الناس! اتّهمُوا الرأيَ على الدين، فلقد رأيَتُني يومَ أبي جندلٍ، ولو أستطيعُ أن أَرُدَّ أمرَ رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرددتُه" رواه البخاري (١).

فإذا كان الصديق والفاروق - وهما خيرُ الخلق بعدَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهما اللذان قال فيهما: "اقتَدُوا باللذينِ من بعدي أبي بكرِ وعمرَ - هما مع الرسول كما ترى، فما الظن بغيرِهما؟ وبهذا يُعلَمً أن كل من ادَّعَى استغناءَهُ عن الرسالة بمكاشفةٍ أو مخاطبةٍ، أو عصمةَ ذلك له أو لشيخِه ونحو ذلك= فهو من أضل الناس.

ومن احتَجَّ على ذلك بقصةِ الخضِر مع موسى ففي غايةِ الجهل لوجوهٍ:

أحدها: أن موسى لم يكن مبعوثًا إلى الخضر، ولا كان يجبُ على الخضرِ اتباعُ موسى، بل قال له موسى: إني على علمٍ من علمِ الله عَلَّمنِيهِ الله لا تَعلَمه، وأنتَ على علمٍ من علم الله عَلَّمك الله لا أعلمه، ولما سَلَّم عليه قال: وأنَّى بأرضِكَ السلامُ؟ قال: أنا موسى، قال: موِسى بني إسرائيل؟ قال: نعم (٢). فالخضر لم يعرف موسى حتى عرَّفه نفسَه. وأما محمدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو رسول الله إلى جميع الخلق، فمن لم يتبعْه كان كافرًا ضالاًّ من جميع من بَلَغتْه دعوتُه، ومن قال له كما قال الخضر لموسى كان كافرًا.


(١) برقم (٤١٨٩). ورواه مسلم أيضًا (١٧٨٥).
(٢) أخرجه البخاري (٤٧٢٥ ومواضع أخرى) ومسلم (٢٣٨٠) عن أبي بن كعب.