قد كتبتُ فيما تقدم في مواضع مثل بعض القواعد وآخر مسودة الفقه أن جماع الحسنات العدلُ، وجماعَ السيئات الظلم، وهذا أصل جامع عظيم.
وتفصيل ذلك أن الله خلق الخلقَ لعبادته، فهذا هو المقصود المطلوب بجميع الحسنات، وهو إخلاص الدين كله لله، وما لم يحصل فيه هذا المقصود فليس حسنة مطلقة مستوجبة لثواب الله في الآخرة، وإن كان حسنةً من بعض الوجوه له ثواب في الدنيا، وكلّ ما نهي عنه فهو زيغٌ وانحراف عن الاستقامة، ووضع للشيء في غير موضعه، فهو ظلم، ولهذا جمع بينهما سبحانه في قوله:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[الأعراف: ٢٩].
فهذه الآية في سورة الأعراف المشتملة على أصول الدين والاعتصام بالكتاب، وذم الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله كالشرك وتحريم الطيبات، أو خالفوا ما شرعه الله من أمره ونهيه، كإبليس ومخالفي الرسل من قوم نوح إلى قوم فرعون والذين بدّلوا الكتاب من أهل الكتاب. فاشتملت السورة على ذمّ من أتى بدين باطل ككفار العرب، ومن خالف الدين الحق كله كالكفّار بالأنبياء، أو بعضه