للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كخلقِ (١) الصِّفاتِ أفيحسُن بالإنسان أن يقول: أسود، وأحمر، وطويل، وقصير، وذكيٌّ، وبليد، وعربيٌّ، وعجميٌّ، فيضيفُ جميعَ الصفات التي ليس للإنسان فيها إرادةٌ أصلًا إليه (٢)؛ لقيامها به، وتأثيرها فيه، تارةً بما يلائمُه وتارةً بما ينافِرُه، ثم يستبعِد أن يضاف إليه ما خُلِق فيه من الفعل بواسطة قصدِه وإرادتِه المخلوقَين أيضًا، ثم يقول: ليس للعبد في الاثنين (٣) شيء؟! وهل الجميعُ إلا له، ليست لأحدٍ غيره؟!؛ لكن الله سبحانه خلقها له، وإضافةُ الفعل إلى خالقه ومبدعه لا تنافي إضافته إلى صاحبه ومحلِّه الذي هو فاعله وكاسبُه، وقد بيَّنَّا الجبرَ المذموم ما هو.

ونختم الكلام بكلامٍ وجيزٍ في سبب الفرق بين الخلق والكسب، فنقول: الخلق يجمع معنيين:

أحدهما: الإبداع والبَرْء.

والثاني: التقدير والتصوير.

فإذا قيل: "خَلَق" فلا بدَّ من أن يكون أبدع إبداعًا مقدَّرًا، ولما كان الله سبحانه وتعالى أبدَع جميعَ الأشياء من العدَم، وجعَل لكلِّ شيءٍ قدرًا، صحَّ إضافة الخلق إليه بالقول المطلق.

والتقدير في المخلوق لازم؛ إذ هو عبارةٌ عن تحديده والإحاطة به، وهذا


(١) مهملة في الأصل، وفي (ف): "بخلق"، والأشبه ما أثبت.
(٢) (ف): "البتة". تحريف.
(٣) لم تحرر في الأصل، وضبب عليها الناسخ. وفي (ف): "السيء". وهو تحريف.