وأيضًا فقد قال موسى في دعائه على قوم فرعون:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}[يونس: ٨٨] قال الله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}[يونس: ٨٩]. ولم يؤمن فرعون حتى أدركَه الغرقُ فقال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: ٩٠]، قال الله تعالى:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٩١]. فدعاءُ موسى هذا الدعاءَ دليلٌ على أنه قد علم حينئذٍ أن التوبة لا تنفعُ، ولو جاز أن يُخَصَّ من هذا أحدٌ جَوَّز موسى أن تُقبَل توبة فرعون حينئذٍ كما قُبِلتْ توبةُ قوم يونس، فعُلِم أنه كان مستقرًّا عند موسى أن هذا حكمٌ عامٌّ.
وأما ما احتجُّوا به من أن الله كشفَ عنهم العذابَ لما تابوا فهو حقٌّ كما أخبر الله، وسواء كانوا قد رأوا العذابَ أو لم يَرَوه، فإن العذاب نوعان: عذابٌ يتيقن معه الموت، وعذاب لا يتيقن معه الموت، فهذا الثاني عذابٌ أيضًا، ومن تاب كشفَ الله عنه العذابَ، بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ