فرض السفر أربع، وإنما تصير ثنتين بالنية، وهؤلاء [لا] يكرهون الأربع، بل للشافعي قول: إن الأربع أفضلُ، وحُكِيَ عنه قول إنه لا يجوز القصرُ إلا مع الخوف كقول بعض الخوارج. لكن الأظهر أن هذا كذب على الشافعي، فإن الشافعي أجل قدرًا من أن يقول مثل هذا. وظاهر مذهبه أن القصر أفضل، وهو مذهب أحمد بلا خلافٍ عنه، بل قد نصَّ أحمد على أن الأربع مكروهة، كما نقلَ ذلك عنه الأثرمُ، وتوقفَ أيضًا في بعض أجوبته هل تُجزِئُه الأربعُ. وما توقفَ فيه من المسائل يُخرجُه أصحابُه على وجهين أيضًا. ومذهبُه في هذا كمذهب مالك، قيل: إن الإتمامَ لا يجوز، وقيل: يُكره، وقيل: هو تركُ الأولى.
وبالجملة فعامةُ العلماء على أنه ليس القصر كالجمع، كما تواترتْ بذلك سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه قد تواترتِ السنةُ على أنه إنما كان يُصلي في السفر ركعتين في جميع أسفارِه، وما روى عنه أحدٌ من علماء الحديث أنه صلى في السفرِ أربعًا قَطُّ. والحديث الذي يُروى عن عائشة (١) أنه كان يصوم ويُفطِر ويَقْصُر ويتِمُّ ضعيف، ولفظُه أنها قالت: قلتُ له: أفطرتُ وصمتُ وقَصَرتُ وأتممتُ، فقال:"أحسنتِ يا عائشةُ". فأخبرتْهُ أنها هي التي أتمَّتْ وصامتْ، مع أن هذا ضعيفٌ بل كذبٌ على عائشة، كما ذُكِرَ في موضعِه.
بل من تتبَّعَ سنة رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أنه من روى عنه أنه صلَّى أربعًا في السفر فقد كذبَ عليه. ولمَّا حجَّ كان يُصلّي بمكةَ وبمنى ركعتينِ،