للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشيء لا يكون سببَا فاعليَّا ولا غاليًّا للموجود، فإن الموجود لا تكون أسبابه عدمية، كيف والأسباب الفاعلية والغائية أكمل من المسبب المفعول لغيره. وهذا ظاهر.

وأيضًا فمن كان قصده العدم لم يفعل شيئًا، بل يترك الأمر على ما هو عليه من العدم المستمر، فاما أن يقصد أن يفعل لأن يعدم فهذا إما سفيه جاهل قد تناقض في فعله، وإما مَكَّارٌ مخادع يُظهِرُ قصدَ شيء وغرضُه غيره.

وبالجملة فهذا القصد إما أن لا يكون، وإن ادعَى كونَه كان كاذبًا، كالمخادعين في الحيل المحرمة، وإن كان من الفقهاء من يظن أن القُصُود غير معتبرةٍ في ذلك، فهذا مخالف لما اقتضته الشريعة والفطرة من كون الأعمال لا تكون إلا بالنيات، مع قول الشارع: "إنما الأعمال بالنيات" (١)، وهي من أجمع الكلمات وأجلِّها وأعظمِها قدرًا.

وإما أن يكون هذا القصد من جاهل سفيه يقصد النقيضين ولا يشعر تناقضهما، فتناقض الآدميين في المقاصد والنيات كتناقضهم في الآراء والاعتقادات، كثيرًا ما يريدون النقيضين في وقت أو وقتين.

وإذا تبين أنه لا يقصد بالوجود العدم، تبين بذلك دلالة القرآن على هذا المجنى في مثل قوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢)، وفي قوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)) (٣)،


(١) أخرجه البخاري (١) ومسلم (١٩٥٧) من حديث عمر بن الخطاب.
(٢) سورة ص: ٢٧.
(٣) سورة القيامة: ٣٦.