للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) (١)، وقوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)) (٢).

وإن كان قوله: (بِالْحَقِّ) أي بقوله الحق، فهذا إشارة إلى شيء من السبب الفاعل، والآية أعم من هذا، فإن الباء باء السبب، والسبب يتناول الفاعل والغاية، فإن الغاية سبب فاعل للسبب الفاعل، ولهذا يُقال: جئتُ بسبب زيد، وبسبب تخليص هذا المال، وبسبب دفع العدو، ونحو ذلك.

والحق يعمُّ الحق المقصود والحقَّ الموجود، فالحق المقصود هو الغاية، وهو نقيض الباطل الذي في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"كل لَهْو يَلْهُو به الرجل فهو باطل، إلا رَمْيَه بقوسه، وملاعبتَه امرأته، وتأديبَه فرسَه، فإنهن من الحق" (٣). وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.

ويتبين أن النظر والاعتبار قد يُعلَم به المعاد، كما يُعلَم به مبدأُ العباد، كما عُلِمَ بالنظر والاعتبار ابتداء خلق العباد، بل الفطرة تقضي بذلك كما تقضي بالابتداء، وأن الذين أنكروا هذا من متكلمة أهل الإثبات، وقالوا لا نعلم ذلك إلا بالسمع، فذلك كقولهم: لا نعلم


(١) سورة الدخان: ٣٨، ٣٩.
(٢) سورة الحجر: ٨٥.
(٣) أخرجه أحمد (٤/ ١٤٤، ١٤٨) والدارمي (٣٤١٥) والترمذي (١٦٣٧) وابن ماجه (٢٨١١) من حديث عقبة بن عامر. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.