الرزق أكثر مما يحبّ أهلُ الرزق لأهل النصر، فإن الرزق محبوب والنصر معظَّم.
وقد يقال: بل النصر أعظم كما تقدم، فإن اندفاع المكروه محبوب أيضًا، وهو لا يحصل إلا بقوة الدفع التي هي أقوى من قوة الجذب، فاختص الناصر بالتعظيم لدفعه المعارضَ، وأما الرازق فلا معارضَ له، بل له موافق، فالناصر محبوب معظَّم.
وقد يُقابَل هذا بأن يقال: وثواب المحبوب مكروه أيضًا، والمحبوب لا يحصل إلا بقوة الجذب، ولا يُسلَّم أن قوة الدفع أقوى، بل قد يكون الجذب أقوى، بل الجذب في الأصل أقوى؛ لأنه المقصود بالقصد الأول، والدفع خادمٌ تابعٌ له. وكما أن الدافع دفعَ المعارضَ فالجاذبُ حصَّل المقتضي، وترجيح المانع على المقتضي غير حق، بل المقتضي أقوى بالقول المطلق، فإنه لابدَّ منه في الوجود. وأما المانع فإنما يحتاج إليه عند ثبوت المعارض، وقد لا يكون معارضٌ. فالمقتضي والمحبة هو الأصل والعمدة في الحق الموجود والحق المقصود، وأما المانع والبغضة فهو الفرع والتابع.
ولهذا كتب الله في الكتاب الموضوع عنده فوق العرش:"إن رحمتي تَغلِب غضبي"(١). ولهذا كان الخير في أسماء الله وصفاته، وأما الشرُّ ففي الأفعال كقوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ
(١) أخرجه البخاري (٧٤٠٤) ومسلم (٢٧٥١) عن أبي هريرة.