للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دائمة، إذ كل ما يمنع أن تكون الحوادثُ مستغنيةً عن الفاعل يمنع أن تكون المنقطعة مقصودة بالذات، فجَعْلُه نفسه الغاية مثل جَعْلِه نفسه السبب، فكما أنه لا يجوز أن يكون مُعِينُه ومُمِدُّه لحصول قوته وقصده وعمله هو نفسه، بل من توكل على [نفسه] خذل، كذلك لا يجوز أن يكون ما يطلبه ويقصده ويحبه ويعمله هو نفسه، بل مَن عَبدَ نفسه واتبع هواه ضلّ وخسر، وما أكثر ما يتخذ العبد إلهه هواه، فيكون ما يهواه إلهه، وهو يهوى نفسه كثيرًا، فيعبد نفسه. كما يستعين بنفسه إذا أُعجِبَ بها.

وكذلك لو أدخل واسطةً، مثل الذي يستعين بغيره، وهو الذي يُعِين ذلك الغير، وذلك الغير يستعين به، فهو في الحقيقة إنما يستعين بنفسه. وكذلك إذا عمل لذلك الغير، وهو يقصد أن يكون عمل ذلك له، فهو إنما عمل لنفسه.

ونُبيِّن ذلك، فإن هذا لم يتقدم بعدُ الكلامُ فيه، بل قد تكلمنا في بيان الغاية الإلهية بكلام ثم كلام، ولم يتحقق ذلك على الوجه إلى الآن، فنقول في هذا الكلام الثالث:

كما أن الشيء لا يُوجَد من معدوم، فلا يُوجَد لمعدوم، إذ إيجاد الشيء للعدم كوجوده من العدم، فمن قصد الشيءَ لنفيه كان بمنزلة من لم يقصده، ولذا لا يفعل هذا عاقل بل سفيه، لأنه إذا قصد وجوده ليعدمه كان عدمه هو المقصود بالقصد الأول، والعدم (١) لا يصلح أن يكون مقصودًا، كما لا يصلح أن يكون فاعلاً، لأنه لا شيء، وما ليس


(١) في الأصل: "العمل" تحريف.