للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقبَّلتُه بالقبول والطاعة، والسَّعي في مصلحة الجماعة (١)؛ فإن هذا من أوجب الواجبات على الناس عمومًا وعلى الخادم خصوصًا، وهو من أقرب القربات إلى الله تعالى، وأفضل الحسنات؛ لما في ذلك من رضا الرحمن، وسرور الإخوان، وقمع الشيطان، وصلاح السرِّ والإعلان، وفتح أبواب الجنان، وإغلاق أبواب النيران.

فإنه غير خافٍ على علم الشيخ أن الحسد والبغضاء هو داء الأمم قبلنا، وهو لهذه الأمة من أعظم الأدواء، وكذلك اتباع الظنون والأهواء، وتفرُّق القلوب وتشتُّت الآراء. وهذه الأمور السيئات، ينشأ غالبها من شبهاتٍ وشهوات.

وقد روي في الحديث: "إن الله يحبُّ البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحبُّ العقل الكامل عند ورود الشهوات، ويحبُّ الشجاعة ولو على قتل


(١) وذلك أنه وقع خلافٌ بين جماعة من المتصوفة ببعلبك في كلام ابن عربي ونحوه من الاتحادية، فقدموا إلى شيخ الإسلام بدمشق سنة ٧٠٤، واجتمعوا عنده بدار الحديث السكرية حيث كان يسكن، بحضور جماعةٍ من كبار أصحابه، وجرى الحديث فيما وقع الخلاف فيه من أمر الاتحادية، وقرئ بعض ما به بيان حقيقة أمرهم من كلامهم، ثم اتفقوا على أن تلك المقالات وما أشبهها كفر، وتبرؤوا منها، وجمع الله قلوبهم على الهدى، وكُتِب محضرٌ بذلك وقَّع عليه الحاضرون، وكتب شيخ الإسلام إلى أهل بعلبك رسالة بيَّن لهم فيها الحقَّ وشرح ما وقع في ذلك الاجتماع، والمحضر والرسالة في "جامع المسائل" (٧/ ٢٤٥ - ٢٥٩).
ويظهر أن خبر ذلك الاجتماع وما جرى فيه قد بلغ ناظر الجيش الشيخ قطب الدين، فكتب إلى شيخ الإسلام يسأله عنه، ويحثُّه على جمع الكلمة، وإصلاح ذات البين، ونحو ذلك مما يُفْهَم من سياق هذه الرسالة.