للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهؤلاء الذين قال الله فيهم: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)) (١)، وقال تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (٣٠)) (٢)، فهذا حال من لم يُحقِّق الإيمانَ بالله واليوم الآخر، فأعرض عن ذكر ربه والعمل لمعاده، كما قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨)) (٣)، فاتباع هواه هو اتباع متاع الحياة الدنيا.

وقد يُقال هذا معنى الأول والآخر، فالأول ليس قبله شيء، إذ هو خالق كل شيء، والآخر ليس بعده شى، أي إليه يَصير العبادُ وتنتهي الحركاتُ، كما قال: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)) (٤)، أي الغاية، لا يراد بذلك أن الأشياء تُعدَم، ويكون هو بعد وجودها، وإنما هو آخرها كما كان أولها، فمنه ابتدأت واليه تعود، كما يقال: ما بعد هذا غاية.

فالآخر قد يُعنَى به في الوجود، وقد يُعنَى به في الغايات المقصودة، فإذا عُنِي به أنت الآخر بعد كل موجود، لم يدل على الغاية، وإذا قيل: أنت الآخر أي الغاية والمنتهى لكل موجود، فليس بعدك ما يوجد ويطلب، كان هذا المعنى أبلغ، مع أن قوله "الآخر" يعمُّ


(١) سورة هود: ١٥، ١٦.
(٢) سورة النجم: ٢٩، ٣٠.
(٣) سورة الكهف: ٢٨.
(٤) سورة النجم: ٤٢.