للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحن نعلم أن التوكلَ على الله فرض، والإخلاص له فرض، ومحبة الله ورسوله فرض، والصبر على فعل ما أمر الله وعما نهى الله عنه وعلى المصائب التي تُصِيبُه فرض، وخشية الله وحدَه دون خشيةِ الناس فرض، والرجاء لله وحدَه فرض، وأمثال ذلك من الأعمال الباطنة والظاهرة والتي يَحصُل التقصيرُ في كثيرٍ منها لعامةِ الخلقِ.

وأيُّ نوع من هذه الأنواع إذا تدبَّر بعضُ الصديقين فيه حالَهُ يَجدُه قد ظلم نفسَه فيه ظلمًا كثيرًا، دَعْ ما سوى ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، وكالقيام بحقوق الأهل والجيران والمؤمنين، وإكمال كلّ واجبٍ كما أمر به، وأمثال ذلك مما لا يُحصَى.

وقد ذكر البخاري (١) عن ابن أبي مُليكةَ قال: أدركتُ ثلاثين من أصحاب محمد كلُّهم يخاف النفاقَ على نفسِه. وفي الصحيح (٢) أن حنظلةَ الكتاب لما قال: نافق حنظلة، قال أبو بكر: إنّا لَنَجد ذلك.

فهؤلاء كانوا يخافون على أنفسهم النفاقَ لكمالِ علمهم وَإيمانهم، وِلهذا كان عبد الله بن مسعود وغيره من السلف يستثنون الإيمان فيَقُول أحدُهم: أنا مؤمنٌ إن شاء الله. وقد تقدم التنبيهُ على مجامع الظلم. والله سبحانَه أعلم.

وأما ما ذكره أبو عبد الله الحكيم الترمذيُّ من أصناف الرحمة فلا ريبَ أن الرحمة أصنافٌ متنوعة ومتفاوتة، كما ذكره من أن له


(١) تعليقًا في صحيحه (١/ ١٠٩)، وأخرجه في التاريخ الكبير (٥/ ١٣٧). وانظر "تغليق التعليق" (١/ ٥٢) و"فتح الباري" (١/ ١١٠).
(٢) مسلم (٢٧٥٠).