للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو استحباب، أمرًا يُيَسر أسبابَه، فإنه ما لا يتم المأمور به إلاّ به فهو مأمور به، وإذا كان يكرهه فهو ينهى عنه نهيَ تحريمٍ أو نهيَ تنزيهٍ، والنكاح في الأصل حسن مأمور به، وأدنى أحوالِه الإباحة، لا ينهى عنه إلاّ لمعارضٍ راجح: كالعجز عن واجباته أو الاشتغال به عما هو أوجبُ منه، كما إذا تعارض الحج المتعيِّنُ والنكاحُ فإنه يُقدّم الحج ونحو ذلك. والطلاق منهي عنه إلاّ لحاجةٍ كما قد عُرِف، فالذي يُناسِب ذلك تيسيرُ حصول النكاح وتشديد حصول الطلاق، كما قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (١)، فأمر بالتعاون على ما يحب، ونهى عن التعاون على ما يكره. وطائفة من الناس يعكسون الأمر، فتجدهم يشدّدون النكاح ويُصعِّبون صحتَه، فلا يوقعون ما يحبه الله إلاّ بشرائط كثيرة، وكثير منها لا أصل له في الكتاب والسنة، كاشتراطِ بعضهم لفظَينِ معينَينِ، وهو الإنكاح والتزويج؛ واشتراط بعضهم أن يكون ولي المرأة عدلاً؛ واشتراط بعضهم حضورَ شاهدينِ عدلين مبرزينِ؛ واشتراط بعضهم في صحتِه الكفاءةَ في النسب والدين واليسار والصناعة والحرّية؛ واشتراط بعضهم أن يكون القبول عقب التلقظ بالإيجاب. وهذه الشروط ونحوها لا أصل لها، بل الأصول والنصوص تدلُّ على بطلان اشتراطها.

ثمَّ إن طائفةً من الناس يشدِّدون في انعقاده، ويُعيدون اللفظ على العاميّ مرتين أو ثلاثًا، ويزيدون على ما ذكره الفقهاء أمورًا من جنس الوسواس الذي يزيدونه في نيات العبادات. ثم الطلاق الذي يبغضه الله لغير حاجة تجدهم سِراعًا إلى وقوعِه، فيُوقِعونَه على المكرَه والسكران والحالف الحانث الناسي والمكره والجاهل وغير هؤلاء.


(١) سورة المائدة: ٢.