للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهل البدع والضلالة أتباعُ الشيطان يُحِبُّون السماع بالدّف والكفّ أكثرَ مما يحبون سماعَ القرآن، ويرون ذلك طريقًا لهم يقدّمونه على استماع القرآن، [و] يختارون سماعَ أبيات الشيطان على سماع آيات الرحمن. وقد قال عبد الله بن مسعود (١): الغناء يُنبت النفاقَ في القلب كما يُنبِت الماءُ البقلَ، والذكرُ ينبِتُ الإيمان في القلبَ كما ينبِت الماءُ البقلَ.

ولهذا كان هؤلاء المبتدعون الضالُّون أتباعُ الشيطان لا تأتيهم الإشارات الشيطانية إلاّ عند الباع التي لم يشرعْها الله ولم يأذنْ بها، مثل اجتماعهم على سماع أبيات الشيطان ومزاميره، لاسيما إذا كان هناك جيران من الصبيان وأخواتهم من النسوان، فهنالك يكونُ أظهرَ لحالِ الشيطان.

سَمِعوا القُرانَ فأطرقوا لا خِيفةً ... لكنه إطراقُ سَاهٍ لاهِ

أما الغناءُ فكالحمير تناهقوا ... واللهِ مارَقَصُوا من أجلِ اللهِ

دف ومزمارٌ ونغمةُ شاهدٍ ... فمتَى رأيتَ عبادةً بملاهِي

يا أمةً ما ضَرَّ دينَ محمدٍ ... وجَنَى عليه ومن له إلاّ هِيْ

وأيضًا فهم يشركون بالرحمن، فيستغيثون بالمخلوق الميت والغائب، يرجونَه ويخافونَه ويدعونه، وهو لا يَسمع كلامهم ولا يرى مكانهم، ولكن الشياطين قد تخاطبهم وقد تتمثل في صورته، فيظنونه أنَ ذلك هو المسيح المستغاث به، وإنما هو شيطان تمثل لهؤلاء المشركين، كما تتمثل الشياطين للنصارى في صورة من يستغيثون به مثل جرجس


(١) أخرجه البيهقي (١٠/ ٢٢٣) موقوفًا. ثم أخرجه هو وأبو داود (٤٩٢٧) عنه مرفوعًا، وفي إسناده شيخ لم يسم. وانظر "تلخيص الحبير" (٤/ ١٩٩).