للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله عن ابن العربي: "بحرٌ لا ساحلَ له" فلعَمري إنه بحرٌ، لكن مِلحٌ أُجاجٌ، فإنه كثير الخوض في أحوال العالم وطبقات الكائنات، واسع الخيال، قادر على الكلام، وهو في باطلِه أشدُّ تمكُّنًا من الشيخ شهاب الدين في حقّه، فلهذا جعله سعد الدين أوسعَ، وإن كان شهاب الدين أقومَ، لكن الشيخ شهاب الدين من خيار أمة محمد، وإن كان غيرُه من المشايخ الكبار- كالشيخ عبد القادر- الواصلين إلى حقائق التوحيد النبوي الذي بعثَ الله به رسولَه، وما اشتمل عليه من أسماء الله وصفاتِه، التي بها يقتدرون على قَمْع هؤلاء الملاحدة ودَفْع الجهمية وضروبهم؛ أرفعُ درجةً، وأعظمُ عَلمًا وإيمانًا، وأعظمُ جَهادًا ممن ليس مثلهم، ممن يكون معرفته وتوحيده فيه نوع إجمال، لا يتميز فيه أهلُ المعرفة والسنة المحمدية ممن خَرَج عن بعض ذلك من أهل النكرة والبدعة. فهم في ذلك بمنزلة ملوك المسلمين الذين ضَعُفَ إيمانُهم وجهادُهم عن مقاومة جنكسخان ونحوه، بخلاف المؤيَّدين بكمال العلم والإيمان والجهاد، المتبعين لسيرة الخلفاء الراشدين كالأئمة والمشايخ الكبار، فهؤلاء لا يقوم معهم لأهل الضلال والبدع قائمة.

فسعد الدين- مع ما فيه من الإسلام والمتابعة- فيه تخليط كثير، فإنه أحيانًا يتكلم بكلام الاتحادية؟ وأحيانًا يُجرد الاتحادَ تجريدَهم، بل يَسلُك لنفسِه مسلكًا أبلقَ لا أبيضَ ولا أسودَ؛ وأحيانًا يتكلم بكلام أهل الإسلام الموافق للكتاب والسنة؛ وأحيانًا يحتج بأحاديث موضوعة لا أصل لها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.