وأما السلف والأئمة وعامّة الفقهاء وأكثر طوائف النظَّار، من الكرَّامية وغيرهم، والحنفية وأئمة المالكية والشافعية والحنبلية، وأهل الحديث، وأئمة الصوفيّة، وابن كُلّاب، وطائفة من أصحاب الأشعري، فيقولون: إنه خَلَق كلَّ شيء بمشيئته، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يحبّ الكفرَ والفسوقَ والعصيان، بل يحبّ ما أمر به.
وعلى هذا فهو إذا خلق شيئًا لحكمةٍ فهو يحبّ تلك الحكمة التي خلقه لأجلها، وإن كان هو في نفسه مكروهًا له لا يحبه.
وعلى هذا فالحَسَن في حقّه هو ما يحبّه والقبيح ما يبغضه. والفعل ــ ويراد به نفس الفعل، ويُراد به المفعول المخلوق ــ فهذا قد يكون محبوبًا له، وقد يكون مكروهًا له، وأما الأول فلا يكون محبوبًا، وهو لا يفعل إلا ما يحبّه، فلا يفعل إلا الحَسن، والحسنُ يقرّ به وينبهج به ويرضاه ويرضى عن صاحبه. والسيئ يبغضه ويمقته ويمقتُ صاحبَه، وهو منزّه (١) سبحانه أن يفعل شيئًا هو قبيح مطلقًا، بل لا يفعل إلا ما له فيه حكمة لأجلها كان مرادًا له، وإن كان يبغضه من بعض الوجوه. فالخير بيديه [ق ١٩٤] والشرُّ ليس إليه.
وعلى هذا القول: فيجب تنزيهه عن كلِّ فعل يناقض كماله، كما يجب تنزيهه عن كلّ وصف يناقض كماله، وهو منزَّه عن الظلم،
(١) عند هذه الكلمات الثلاث "منزّه، إلا ما، من بعض" ما يشبه الطمس بمقدار كلمة أو كلمات، والسياق مستقيم. وتقدم في الصفحة السابقة شرح ما وقع في النسخة.