وأمّا إن كان هذا الذي فوَّتَ بعضَ الصلاة عمدًا مؤمنًا، يَعتقدُ وجوبَها ويَعزِمُ على أدائها، ولكن تكاسلَ عنها بعضَ الأوقات، فهذا يجبُ عليه عند جمهور العلماء، وعند بعضهم إذا تابَ فلا قضاءَ عليه، بخلاف ما لو نامَ عنها أو نسيَها فإن هذا عليه القضاءَ بالسنة والإجماع. ومن قالَ: العامدُ لا يَقضِي، فإن ذنبَه أكبرُ ولا ينفعُه القضاء، لكن إذا تابَ فالتوبةُ تَجُب ما قبلَها. والذين أوجبوا عليه القضاءَ أوجبوه بحسب الإمكان.
وأكثرُهم يقولون: إذا كثرتِ الفوائتُ لم يَجبْ قضاؤُها على الفورِ مرتبةً، كأبي حنيفةَ وأحمد في إحدى الروَايتين، وأصحاب الشافعي في أصح الوجهين، يُوجِبون قضاءَ ما تعمَّدَ تركَه على الفور، وأحمد في الرواية الأخرى يُوجب قضاءَ الجميع على الفور مرتبًا لكن بحسب الإمكان، بحيث لَا يَشْغَله عما لا بدَّ له منه من معيشةٍ ونحوِها، ولا يُضعِفُه عن واجبٍ أو ما لا بُدَّ منه.
والكثيرُ الذي لا يجب فيه الفورُ والترتيبُ، قيل: هو صلاة يوم وليلةٍ، كما هو في مذهب أبي حنيفة ومالك. وقيل: ما لا يمكن فعلُه إلاّ بفوتِ الحاضرةِ، كما هو المنقولُ عن أحمد.
والذي ينبغي لهذا التائب أن يجتهدَ في المحافظةِ على الصلاةِ فيما بقي من عمره، وإن قَصَّرَ في قضاءِ الفوائتِ فليجتهدْ في الاستكثار من النوافل، فإنه يُحاسَب بها يومَ القيامة، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (١): "أولُ ما يُحاسَب به العبدُ
(١) أخرجه بهذا السياق أحمد (٤/ ٦٥،٥/ ٧٢،٣٧٧) عن يحيى بن يعمر عن =