للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهؤلاء أهلُ اللغة، وأعلمُ بها وبمعاني الكتاب ممَّن بعدهم، فإن كانوا أرادوا أن اللفظ يشملها لغةً فقولهم في ذلك مقبول (١)، وإن كانوا أرادوا أن الشرع نقَل اسم "المَيْسِر" إلى أعمَّ من معناه في اللغة فهم ثقاتٌ في ذلك.

وإن لم يثبت أن اللفظ يشملها أُلحِقَت بالمَيْسِر من جهة المعنى، كما أن النبيذ المختلف فيه أدرجناه في اسم "الخمر" تارةً بالنقل وتارةً بالقياس.

فنقول: المَيْسِر قد بيَّن الله علَّة (٢) تحريمه بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، وهذه العلَّة موجودةٌ فيه سواءٌ اشتمل على بدل المال أم لم يشتمل؛ فإن اللاعبين بالشِّطْرَنج إذا استكثروا منها صدَّتهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وألهت عقولهم حتى عن الأكل والشرب، وأوقعت بينهم عداوةً وبغضاء، كما يُعْلَم ذلك من استقراء أحوال مُدْمِنيها. والقليلُ مِن لعبِها يدعو إلى الكثير، كما يدعو قليلُ الخمر إلى كثيره، وقد يفعل في النفوس شرًّا من فعل الخمر.

وقد ثبت عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه مرَّ على قوم يلعبون بالشِّطْرَنج، فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟! " (٣)، فشبَّه


(١) انظر: "عمدة المحتج" للسخاوي (١٣٣, ١٥٥)، ولتحرير مسألة الاحتجاج بأقوال السلف في اللغة: "التفسير اللغوي للقرآن الكريم" لمساعد الطيار (٥٦٠ - ٥٩٠).
(٢) الأصل: "عليه". ولعلها: عِلِّيَّة. والمثبت أظهر.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٢٦٦٨٢)، والبيهقي (١٠/ ٣٥٨) وغيرهما بسندٍ رجاله ثقات إلا أن فيه إرسالًا، ميسرة لم يدرك عليًّا - رضي الله عنه -. انظر: المنتخب من "العلل للخلال" (١٠٢)، و"المختارة" للضياء (٢/ ٣٦١).
وروي من وجهٍ آخر مرسل لا يتقوى به، من حديث أبي إسحاق عن علي. انظر: "عمدة المحتج" (٧٠)، و"الإرواء" (٨/ ٢٨٩).
وقال أحمد: "أصح ما في الشطرنج قول علي - رضي الله عنه - ". "المغني" (١٤/ ١٥٦).