للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يثبِتون القدر الذي نفته المعتزلة ونحوُهم من القدرية، فتكون بذلك خيرًا منهم، لكنهم قد يحتجون به على الشرع، بل قد يلاحظونه، ويُعرِضون عن الأمر والنهي، ويجعلونه الحقيقةَ التي تَدفَع مقتضى الشريعة، وهي الحقيقة الكونية، فيصيرون بذلك مُضاهِين للمشركين الذين قالوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء) (١).

ومعلوم أن هؤلاء المشركين شرٌّ ممن جَحَد القدرَ من المعتزلة ونحوهم، فهؤلاء الذين يدفعون الأمر والنهي الشرعيَّيْنِ ناظرينَ إلى الحقيقة الكونية، ويثبتون الشفاعةَ التي أثبتها المشركون والنصارى، شر من الخوارج والمَعتزلة من هذا الوجه ومن هذا الوجه،/ فإنهم جمعوا بين الإشراك والبدع في العبادات وبين الاحتجاج بالقدر.

وهذا حال المشركين الذين ذمَّهم الله في كتابه، فإنهم كانوا تارةً يعبدون غيرَ الله، وتارةً يزعمون عبادةً لم يشرعها، ويُحرّمون ما أحلّه، وتارةً يحتجون بالقدر. وقد ذكر الله عنهم في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ما فيه عبرة للمعتبرين، فإنه سبحانه قرَّر في سورة الأنعام توحيدَه وعبادتَه وحدَه لا شريكَ له، وأنه هو الذي يُدعَى عند الشدائد، وهو الذي يَكشف الضرّ ويُنزِل الرحمة، كقوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١) (٢). وقوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ


(١) سورة الأنعام: ١٤٨.
(٢) سورة الأنعام: ٤٠ - ٤١.