للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحيح أن هذه الآية كقوله (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) (١). فالموتة الأولى قبل هذه الحياة، والموتة الثانية بعد هذه الحياة، وقوله (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بعد الموت. قال: (*مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (٥٥)) (٢)، وقال: (فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (٢٥)) (٣).

فالروح تتصل بالبدن متى شاء الله، وتُفارقه متى شاء الله، لا يتوقَّتُ ذلك بمرّةٍ ولا مرَّتين، والنومُ أخو الموت، ولهذا كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول إذا أَوَى إلى فراشِه: "باسمك اللهمَّ أموتُ وأحيَا". وكان إذا استيقظ يقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النُّشُور" (٤). فقد سمَّى النومَ موتًا والاستيقاظَ حياةً.

وقد قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢)) (٥)، فبيَّن أنه يتوفَّى الأنفسَ على نوعين، فيتوفاها حينَ الموت، ويتوفّى الأنفس التي لم تَمُتْ بالنوم، ثمَّ إذا ناموا فمن مات في منامِه أمسكَ نفسَه، ومن لم يَمُتْ


(١) سورة البقرة: ٢٨.
(٢) سورة طه: ٥٥.
(٣) سورة الأعراف: ٢٥.
(٤) أخرجه البخاري (٦٣١٢،٦٣١٤،٦٣٢٤،٧٣٩٤) عن حذيفة. وأخرجه البخاري (٦٣٢٥،٧٣٩٥) عن أبي ذر.
(٥) سورة الزمر: ٤٢.