بيوم القيامة وهو يوم الجمع ويوم القيامة الجامعة، وأقسم بالنفس وهي التي أصل القيامة الصغرى، فإن الصابئة الفلاسفة ونحوهم مدار أمرهم في هذا المعاد على إثبات النفس. وقرر أولاً سبحانه القيامة الكبرى فقال: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة: ٣ ــ ٦]. والإنسان إنما ينكر وينتظر القيامة الكبرى، وأما الموت فكل أحد يعلم به. ولهذا كُره للخطباء أن يقتصروا في خطب الجمع والأعياد على التذكير بالموت ونحوه من الأمور التي لا يختص بها المؤمنون، وأحبوا أن يكون التذكير بما في اليوم الآخر مما أخبرت به الرسل.
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العدد من خطبه {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}[ق: ١] لتضمنها ذلك، ويقرأ يوم الجمعة {الم (١) تَنْزِيلُ} [السجدة: ١، ٢]، و {هَلْ أَتَى}[الإنسان: ١]؛ إذ في هاتين السورتين ما يكون في الجمعة من الخلق والبعث؛ إذ فيه خُلِق آدم وفيه تقوم الساعة (١). وهاتان السورتان تضمنتا ذلك.
ثم إنه لما ذكر القيامة قال: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧)
(١) كما في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم (٨٥٤) ومالك في الموطأ (١/ ١٠٨) ومن طريقه أحمد (٢/ ٤٨٦) وأبو داود (١٠٤٦) والترمذي (٤٩١) والنسائي (٣/ ١١٣). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.