للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الناس قد أحدثوا ما استحقوا به عنده أن ينفذ عليهم الثلاث، فهذا إمّا أن يكون كالنهي عن منع الفسخ، لكون ذلك كان مخصوصًا بالصحابة، وهو باطلٌ، فإن هذا كان على عهد أبي بكر، ولأنه لم يذكر ما يوجب اختصاصَ الصحابة بذلك. وبهذا أيضًا تَبطُل دعوى من ظنَّ أن ذلك منسوخ كنسخ متعة النساء. وإنْ قُدِّر أن عمر رأى ذلك لازمًا فهو اجتهادٌ منه، كاجتهاد من اجتهد في المنع من فسخ الحج، لظنّه أن ذلك كان خاصًّا. وهذا قولٌ مرجوحٌ، قد أنكره غيرُ واحدٍ من الصحابة، والحجة الثابتة مع من أنكره.

وهكذا الإلزام بالثلاث، من جعلَ قول عمر فيه شرعًا لازمًا، قيل له: فهذا اجتهاد قد نازعه فيه غيرُه من الصحابة، وإذا تنازعوا في شيء وجبَ ردُّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، والحجة مع من أنكر هذا القول المرجوح. فإما أن يكون عمر جعل هذا عقوبة تُفعَل عند الحاجة، وهذا [أليق] الأمرين بعمر (١).

ثم العقوبة بذلك يدخلها الاجتهاد من وجهين:

من جهة أن العقوبة بذلك هل تُشرَع أم لا؟ فقد يرى الإمام أن يعاقب بنوع لا يَرى غيرُه العقوبةَ به، كتحريقِ علي - رضي الله عنه - الزنادقةَ، وقد أنكره عليه ابن عباس، وجمهور الفقهاء مع ابن عباس في ذلك.

ومن جهة أن العقوبة إنما تكون لمن يستحقّها، فمن كان من المتقين استحقَّ أن يجعل الله له فَرَجًا ومخرجًا، ولم يستحق العقوبة. ومن لم يعلم أن جمعَ الثلاث محرَّم، ولما علم أنّ ذلك محرم تاب


(١) هكذا العبارة في الأصل، ولعلّ هنا سقطًا. فلم يذكر الأمر الثاني.