للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنفسه إلاّ أن يهديه غيره، وهذا يتناول كل مخلوق، فكل مخلوق لا يهتدي إلاّ أن يهديه الله. ففي الآية النهي عن اتباع كل مخلوق، وأنه لا يتبعُ إلاّ الله وحده، الذي يهدي إلى الحق.

فكل هُدًى في العالَم وعلمٍ فهو من هذا وتعليمه، ويمتنع أن يكون غيره هاديًا له ومعلمًا.

وقوله: (أَمن لا يَهدِىَ إلاّ أن يُهدَى) يتضمن نفي اهتدائه بنفسه مطلقًا، وأنه لا يهتدي بحالٍ إلاّ أن يهديه غيره. وهذا حال جميع المخلوقات. وقد بين أن هذا أحق بالاتباع من هذا، لأنه يهدي الحق وهذا لا يهدي، وذلك نهي عن عبادة ما سواه، وعن استهدائه وعن طاعته، لأن كل معبودٍ فهو متبوع، يتبعه عابده، فإذا لم يتبعه لم يكن عابدًا له.

ولهذا يُجْزَون يومَ القيامة بنظير أعمالهم، فإن الجزاء من جنس العمل، كما في الأحاديث الصحيحة: "ينادي منادٍ ليتبعْ كلُّ قومٍ ما كانوا يعبدون، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمر القمرَ"، وذكر إتيان الحق في صورة غير الصورة التي يعرفون، يمتحنهم هل يتبعون غير ربّهم، وإنهم يستعيذون بالله منه، ويقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيتجلى لهم، ويخرُّون له سُجَّدًا إلا المنافقين، فإن ظهورهم تصير مثل قرون البقر، ثم ينطلق ويتبعونه. والحديث في ذلك طويل، وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد (١). وفي مسلم [من] حديث جابر (٢)،


(١) البخاري (٧٤٣٧، ٧٤٣٩ ومواضع أخرى) ومسلم (١٨٢،١٨٣).
(٢) موقوفًا برقم (١٩١). وأخرجه أحمد (٣/ ٣٤٥، ٣٨٣) من حديث جابر مرفوعًا.