للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: دعوى الإجماع في مثل هذا الأمر العام الذي يتناول أنواعًا كثيرة ليس مستنده نقلًا في هذا عن أهل الإجماع، ولكن هو بحسب ما يعتقده الناقل في أن مثل هذا ظلم محرَّم لا يُبيحه عالم. وفي بعض ما يدخل في هذا نزاعٌ وتفصيل. كما لو تَترَّس الكفارُ بأسرَى المسلمين وخِيف على جيش المسلمين إن لم يرموا، فإنه يجوز أن يرموا بقصدِ الكفار، وإن أفضَى إلى قتل هؤلاء المعصومين، لأن فساد ذلك دون فساد استيلاء الكفار على جيش المسلمين. وهذا مذهب الفقهاء المشهورين، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم. ولو لو يُخشَ على جيش المسلمين ففي جواز الرمي قولان لهم: أحدهما يجوز، كقول أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي؟ والثاني لا يجوز، كالمعروف من مذهب أحمد والشافعي. وكذلك لو أكرهَ رجلٌ رجلًا على إتلاف مال غيره، وإن لم يُتلِفه قَتَلَه، جاز له إتلافه بشرط الضمان. والعدوّ المحاصر إذا طلب مال شخص، وإن لم يدفعوه اصطلمهم العدوّ، فإنهم يدفعون ذلك المال، ويضمنونه لصاحبه. وأمثال ذلك كثيرة.

وقد ذكر -رحمه الله تعالى- إجماعات من هذا الجنس في هذا الكتاب، ولم يكن قصدنا تتبع ما ذكره من الإجماعات التي عُرِف انتقاضُها، فإن هذا يزيد على ما ذكرناه. مع أن أكثر ما ذكره من الإجماع هو كما حكاه لا نعلم فيه نزاعًا، وإنما المقصود أنه مع كثرة اطلاعه على أقوال العلماء وتبزُّزِه في ذلك على غيرِه، واشتراطه ما اشترطه في الإجماع الذي يحكيه، يظهر فيما ذكره في الإجماع نزاعات مشهورة، وقد يكون الراجح في بعضها خلاف ما يذكره في الإجماع. وسبب ذلك دعوى الإحاطة بما لا يمكن الإحاطة به، ودعوى أن الإجماع الإحاطي هو الحجة لا غيره. فهاتان قضيتان لابدّ