للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثبتَ بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين في الجمع بعرفةَ ومزدلفةَ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في أمور أخرى، وأحمد أوسعُ قولاً به من غيرِه، وأما تفويتُ الصلاة فلا يجوز بحالٍ في ظاهر مذهب أحمد، ولكن في مذهبه قولٌ بجواز التفويت في بعض الصور، ولكن في مذهبه في مثل عدم الماء والتراب يجوز التفويت. وأما أبو حنيفة فيوجب التفويتَ في مواضعَ، ولا يُجوِّز الجمعَ إلا بعرفة ومزدلفة. وقولُ الأكثرين الذين يُسوِّغون الجمعَ بين الصلاتين ويمنعون التفويتَ مطلقًا هو الصحيح، كما دلَّ على ذلك الكتابُ والسنة، فإن الله تعالى قال: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) (١)، وثبتَ في الصحيحين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "من تركَ صلاةَ العصر فقد حَبط عمله" (٢)، وقال: "من فاتته صلاةُ العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله" (٣). فالتفويتُ لا يجوز بحالٍ، وتفويتُ الخندق منسوخٌ.

وأما الجمع بينهما في الوقت المشترك فهو ثابتٌ بالسنة في مواضع متعددة، وبعضها مما أجمعَ عليه المسلمون، والآثار المشهورة عن الصحابة تُبيِّن أن الوقت المشترك وقتٌ في حال العذر، كقول عمر بن الخطاب: الجمعُ بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. فدلَّ على أن الجمع بينهما للعذر جائز. وقال عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وأبو هريرة فيمن طَهُرَتْ في آخر النهار: إنها تُصلِّي الظهر والعصر،


(١) سورة البقرة: ٢٣٨.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.