للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجلًا قال: يا رسولَ الله! أين أبي؟ فقال: "إنّ أباك في النار". فلما أدبَر دعاه فقال: "إنّ أبي وأباك في النار". وفي الصحيحين (١) أنه لما حَضرتْ أبا طالب الوفاة دخلَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليه وعنده أبو جهلٍ وعبد الله بن أمية، فقال: "يا عمِّ! قل لا إله إلا الله، كلمةً أُحَاجُّ لك بها عند الله". فقالا: يا أبا طالبٍ! أترغبُ عن ملَّة عبد المطلب؟ فكان آخر شيء قاله: على ملة عبد المطلب. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأستغفرنّ لك ما لم أُنْهَ عنك"، فأنزل الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)) (٢).

وفي الصحيح (٣) أن العباس قال: يا رسولَ الله! عمُّك الشيخ الضالُّ كان يَحُوطُك ويصنع لك، فهل نَفَعْتَه بشيء؟ فقال: "وجدتُه في غمرةٍ من النار، فشَفَعتُ فيه، فجُعِلَ في ضَحضاحٍ من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"، أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وهذه الأحاديث الصحيحة توافق ما اتفق عليه أئمة المسلمين في أنه ماتَ كافرًا، وتُبيِّن كَذِبَ من ادَّعَى من الجهّال الرافضة وغيرِهم أنه مات مؤمنًا. ويحتج بما ذكر ابن إسحاق في "السيرة" (٤) من أنه جعل يُهَمْهِمُ عند الموت، وأن العباس قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه قد قال الكلمة التي تطلبها أو نحو ذلك. فإنَّ الذي في الصحيح بيَّن أن العباس لم


(١) البخاري (٤٦٧٥) ومسلم (٢٤) عن المسيب.
(٢) سورة التوبة: ١١٣.
(٣) البخاري (٣٨٨٣، ٦٢٠٨، ٦٥٧٢) ومسلم (٢٠٩).
(٤) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٤١٧). وتكلم ابن كثير في "البداية والنهاية" (٤/ ٣٠٧ وما بعدها) على هذه الرواية.