النَّعِيمِ} [التكاثر: ٨] لما أضافَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرٍ وعمرَ أبو الهيثم ابنُ التيِّهان، وجلسوا في الظلِّ، وأطعمهم الفاكهة واللحمَ، وسقاهم الماءَ البارد، قال:«هذا من النعيم الذي تُسألون عنه»(١).
والسؤال عنه لطلب شكرِه، لا إثم فيه، فالله تعالى يطلب من عباده شكرَ نِعَمِه، وعليه أن لا يستعين بطاعته على معصيته، فإذا تركَ ما وجبَ عليه في نعمته من حقٍّ، واستعان بها على محرَّمٍ كان فعلُه بها وتركُه لما فيها سببًا للعذاب أيضًا. فالعذاب استحقَّه بترك المأمور وفعلِ المحظور، لا على النعمة التي هي من فعل الله تعالى، وإن كان فعله وتركه بقضاء الله وقدره، بعلمه ومشيئته وقدرته وخلقه. فإن حقيقة الأمر أنه نعَّمَ العبدَ تنعيمًا، وكان ذلك التنعيم سببًا لتعذيبه أيضًا، فقد اجتمع في حقه تنعيمٌ وتعذيب، ولكن التعذيب إنما كان بسبب معصيته، حيث لم يُؤدِّ حقَّ النعمة، ولم يتَّقِ الله فيها.
وعلى هذا فهذه التنعيمات هي نعمة من وجهٍ دونَ وجهٍ، فليست من النعم المطلقة، ولا هي خارجة عن جنس النعم مطلقِها ومقيَّدِها، فباعتبار ما فيها من التنعيم يَصلُح أن يُطلَب حقُّها من الشكر وغيره، ويُنهَى عن استعمالها في المعصية، فتكون نعمةً في باب الأمر والنهي والوعد والوعيد، وباعتبار أن صاحبها يترك فيها المأمورَ ويفعل بها
(١) أخرجه أحمد (٣/ ٣٣٨، ٣٥١، ٣٩١) والنسائي (٦/ ٢٤٦) وابن حبان (٣٤١١) عن جابر بن عبد الله. وإسناده صحيح. وأصله عند مسلم (٢٠٣٨) عن أبي هريرة.