للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

نقلت من خط الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن المحب المقدسي الحنبلي، قال: نقلت من خط الشيخ بدر الدين حسن بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان أعزه الله تعالى، قال: نسخة رسالةٍ أُرسِلت إلى والدي محمد بن سليمان بن حمزة (١) من شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني قدَّس الله روحه، يسلِّم على قاضي القضاة عزِّ الدين ــ أعزَّه الله تعالى بطاعته، وأسبغ عليه جميل نعمته ــ، ويعرِّفُ خدمتَه:

إنَّا ولله الحمدُ في نعمٍ عظيمة، ومننٍ جسيمة، لا يحصيها إلا الله، وهذه القضيَّة (٢) كانت من أعظم نعم الله علينا وعلى سائر المسلمين، ولله فيها حكمةٌ بالغة، ورحمةٌ سابغة؛ فإن السلطان (٣) أراد أن يسعى في قطع أصول


(١) عز الدين محمد بن تقي الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر بن قدامة المقدسي، قاضي الحنابلة بدمشق، ذو فضلٍ وعقلٍ وحسن خلق وتهجُّدٍ وقضاء حوائج للناس. توفي سنة ٧٣١. انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (٥/ ٢٣). وقال الذهبي في "معجم الشيوخ" (٢/ ١٩٤): "لم يُحْمَد في القضاء، ولا كان بصيرًا بالعلم".
(٢) يعني المحنة التي جرت له سنة ٧٢٦ بسبب فتواه بمنع الزيارة البدعية لقبور الأنبياء والصالحين، وحُبِس لأجلها في القلعة بأمر السلطان الناصر، والظاهر أن هذه الرسالة مما كتبه في القلعة، كما يشير إليه صدر الرسالة وخاتمتها من الإخبار بما هو فيه من النعم, وأنه لو أنفق ملء القلعة ذهبًا ما بلغ شكرها، وأنه ليس في شدةٍ ولا ضيق، بل في جهادٍ لنصرة دين الله، كجهاده التتار والجبليَّة أهل كسروان، ونحو هذا مما ذكره في رسائله التي كتبها في القلعة، وأورد بعضها ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" (٤٣٨، ٤٤١)، ولذلك أحال القاضي عزَّ الدين على أصحابه إن أراد الوقوف على ما كتبه في هذه القضية.
(٣) الملك الناصر بن قلاوون، وكان محبًّا لشيخ الإسلام ناصرًا له في أول أمره، ولعله لم يطلع على ما كتبه في هذه المسألة، بل وصلته فتواه محرَّفةً على أيدي خصومه، ولم يكن الشيخ - رحمه الله - من "رجال الدولة، ولا سلك معهم تلك النواميس، فلم يعد السلطانُ يجتمع به"، كما قال الذهبي في "الدرة اليتيمية" (٤٥ - تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام). وقد عفا عن الملك الناصر قبل وفاته وأحلَّه، واعتذر له بأنه مقلدٌ لغيره، وأنه لم يفعل ذلك لحظِّ نفسه، بل لِمَا بلغه. وانظر: "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (١/ ١٩٣، ١٩٤).