للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقول: يا سيِّدي الشيخ فلان! أنا في حسبك وجِوارِك؟ أو يقول عند هجوم العدوِّ عليه: يا سيِّدي فلان! يَستوحِيْه ويَستغيثُ به؟ أو يقول ذلك عند مرضِه وفقرِه وغيرِ ذلك من حاجاتِه-: فإن هذا ضالٌّ جاهلٌ مشركٌ عاصٍ لله باتفاقِ المسلمين، فإنهم متفقون على أن الميت لا يُدعَى ولا يُطلَب منه شيء، سواءٌ كان نبيًّا أو شيخًا أو غيرَ ذلك.

ولكن إذا كان حيًّا حاضرًا، وطلب منه ما يَقدِرُ عليه من الدعاء ونحو ذلك، جاز، كما كان أصحاب رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطلبون منه في حياته، وكما يُطلَب منه الخيرُ يومَ القيامة. وهذا هو التوسُّلُ به والاستغاثة التي جاءت به الشريعة، كما ثبت في صحيح البخاري (١) وغيرِه عن أنس بن مالك: أن الناس لمَّا أَجْدَبُوا استسقَى عمرُ بالعبّاس، فقال: "اللهمَّ إنّا كنّا إذا أَجْدَبْنا نتوسَّلُ إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسَّل إليك بِعَمِّ نبيِّنا فَاسْقِنا"، قال: فيُسْقَون. فكان توسُّلُهم بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته هو توسُّلهم بدعائه وشفاعتِه، فلما ماتَ توسَّلُوا بدعاءِ عمِّه العباس وشفاعتِه، لقُربِه منه، ولم يتوسَّلُوا حينئذٍ برسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا استغاثوا به، ولا ذهبوا إلى قبرِه يدعون عنده. فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قد سَدَّ الذريعة في هذا الباب، حتى قال: "لا تتخذوا قبرِي عيدًا، وصَلُّوا عليَّ حيثُما كنتم، فإن صلاتكم تَبلُغني" (٢). وقال: "اللهمَّ لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد" (٣). وقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ" يُحذِّر ما فَعَلُوا (٤). وقال: "إن من كان قبلكم كانوا


(١) برقمي (١٠١٠ و ٣٧١٠). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" (١٤٢١).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.