فزعموا مع ذلك أنه يخلق الخلقَ لا لحكمةٍ في خلقهم، ولا لرحمةٍ لهم، بل قد يكون خلقهم ليَضُرَّهم كلَّهم. وهذا عندهم حكمةٌ، فلم يُنزِّهوه عمّا نَزَّه نفسَه عنه من الظلم، حيث أخبرَ أنه إنما يجزي الناسَ بأعمالهم، وأنه {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤]. وأنه {مَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}[طه: ١١٢].
بل زعموا أن كل مقدورٍ عليه فليس بظلم، مثل تعذيب الأنبياء والرسل وتكريم الكفار والمنافقين، وغير ذلك مما نزَّه الله نفسَه عنه، فلم يكن الظلم الذي نزَّه الله عنه نفسَه حقيقة عند هؤلاء، إذ كلُّ ما يمكن ويقدر عليه فليس بظلم. فقوله تعالى:{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر: ٣١] عندهم بمنزلة قوله: لا يريد ما لا يكون ممكنًا مقدورًا عليه، وهو عندهم لا يَقدِر على الظلم حتى يكون تاركًا له.
وزعموا أنه قد يأمر العبادَ بما لا يكون مصلحةً لهم ولا لواحدٍ منهم، لا يكون الأمر مصلحةً، ولا يكون فعلُ المأمور به مصلحةً، بل قد يأمرهم بما إن فعلوه كان مضرَّةً لهم، وإن لم يفعلوه عاقبَهم، فيكون العبدُ فيما يأمره به بين ضررين: ضررٌ إن أطاع، وضررٌ إن عصى، ومن كان كذلك كان أمرُ العباد مضرَّةً لهم لا مصلحةً لهم.
وقالوا: يأمر بما يشاء، وأنكروا أن يكون في الأحكام الشرعية من العلل المناسبة للأحكام، من جَلْبِ المنافع ودَفْعِ المضارّ ما هي الشريعة ممتلئةٌ به، حتى كان منهم مَنَ دفعَ عِللَ الأحكام بالكلية، ومنهم من قال: