ثم إن كثيرًا من العلماء يعتقدون أن ليس في هذا الأصل العظيم الجامع- المتعلق بأصول الدين والتوحيد، وبأصول الفقه وبالشريعة- إلا هذان القولان (١)، إما التعليل بنفع العباد وصلاحهم، وإما ردّ ذلك إلى محض المشيئة والإرادة الصرفة، وهذا القول الثاني يلزمه من اللوازم الفاسدة- التي تتضمن التسوية بين محبوب الله ومكروهه، ومأموره ومنهيه، وأوليائه وأعدائه- أشياء فيها من البطلان والشناعة ما يُعلَم به تفريط هؤلاء وغلطهم، كما فرط الأولون.
ويقارب هؤلاء من يقول من الفلاسفة وغيرهم: إن هذه المخلوقات لازمة لذاته، وإن قالوا: إنها صادرة عن عنايته، وإن تضمنت ما تضمنت من منافع الخلق ومصالحهم بطريق اللزوم. ويجعلون ذلك علة غائية.
ثم إنهم يتناقضون فلا يجعلون ذلك مقصودًا للفاعل ولا مرادًا له بالقصد الأول، وإلا لزمهم ما لزم الأولين من التعليل، فيثبتون في أفعاله من الحِكَم والعِلَل الغائية والمنافع ما لا يصدر إلا عن قصد وإرادة، ثم يتكلمون عن الإرادة بما يناقض ما قالوه.
ومما يبين ذلك أن يقال لمنكري التعليل- الذين لا يثبِتون وراء العلم والإرادة لا حكمةً، ولا رحمةً، ولا لطفًا، ولا محبةً، ولا رضًى، ولا فرحًا، ولا غضبًا، ولا مقتًا، ولا غير ذلك، بل يجعلون لذلك إرادة أو فعلاً-: معلومٌ أن الإرادة المحضة خاصتها التخصيص