للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه يعلم من أحوالِ القلوب ما يناسب هذا، وهو حكيم في حكمه بأنه {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}.

وإذا أريد بتقطع القلوب تقطعها بالتعذيب فقط فيكون ذلك لأنه علمَ أن هؤلاء المعينين لا يتوبون، وإن أريد تقطعُها بالتوبة أو بالتعذيب فلابدّ لهم من أحد الأمرين: إما أن يقطعوها بالتوبة، وإلا قطعت بالعذاب، كما قال: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٦]. وأولئك المعينون إذا لم يقطعوها بالتوبة قطعت بالتعذيب، فالعذاب مُخرِج ما في النفوس من الريبة والنفاق، لمن لم يُخرِجه بالتوبة، والذنوبُ لابد فيها من توبة أو تعذيب، ولو أنه ينقص الحسنات لأجلها، كما قال: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}، كما قد بُسِط في غير هذا الموضع. والله أعلم.

فصل

وقوله: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٢]، نُقل عن ابن عباس وغيره أنهم قالوا: عسى من الله واجب (١). وهذا الذي قالوه قد وُجِد بالاستقراء في مواضع، كقوله: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ} [الممتحنة: ٧]. وجعل الله المودة بين المؤمنين وبين الذين كانوا يعادونهم بعد أن نزلت هذه الآية لما فُتِحتْ مكة وآمن الطلقاءُ، كأبي سفيان، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن


(١) انظر: البرهان للزركشي (٤/ ١٦٠).